سورة الجاثية - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجاثية)


        


{ثم جعلناك} يا محمد {على شريعة} أي على طريقة ومنهاج وسنة بعد موسى {من الأمر} أي من الدين {فاتبعها} أي اتبع شريعتك الثابتة {ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} يعني مراد الكافرين وذلك أنهم كانوا يقولون له أرجع إلى دين آبائك فإنهم كانوا أفضل منك قال الله تعالى: {إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً} أي لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئاً إن اتبعت أهواءهم {وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض} يعني إن الظالمين يتولى بعضهم بعضاً في الدنيا ولأولى لهم في الآخرة {والله ولي المتقين} أي هو ناصرهم في الدنيا ووليهم في الآخرة {هذا} يعني القرآن {بصائر للناس} أي معالم للناس في الحدود والأحكام يبصرون به {وهدى ورحمة لقوم يوقنون أم حسب الذين اجترحوا السيئات} أي اكتسبوا المعاصي والكفر {أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} نزلت في نفر من مشركي مكة قالوا للمؤمنين لئن كان ما تقولون حقاً لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا {سواء محياهم ومماتهم} معناه أحسبوا أن حياة الكافرين ومماتهم كحياة المؤمنين وموتهم سواء كلا والمعنى أن المؤمن مؤمن في محياه ومماته في الدنيا والآخرة والكافر كافر في محياه ومماته في الدنيا والآخرة وشتان ما بين الحالين في الحال والمآل {ساء ما يحكمون} أي بئس ما يقضون قال مسروق قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري ولقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله يركع بها ويسجد ويبكي {أم حسب الذين اجترحوا السيئات} الآية: {وخلق} الله السموات والأرض بالحق أي بالعدل {ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون} ومعنى الآية أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة ذلك لا يتم إلا في القيامة ليحصل التفاوت بين المحقين والمبطلين في الدرجات والدركات.
قوله عز وجل: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} قال ابن عباس: اتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئاً إلا ركبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه ولا يحرم ما حرم الله وقيل معناه اتخذ معبوده ما تهواه نفسه وذلك أن العرب كانت تعبد الحجارة والذهب والفضة فإذا رأوا شيئاً أحسن من الأول رموا بالأول وكسروه وعبد وا الآخر وقيل إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار {وأضله الله على علم} أي علماً منه بعاقبة أمره وقيل على ما سبق في علم الله أنه ضال قبل أن يخلقه {وختم على سمعه وقلبه} أي فلم يسمع الهدى ولم يعقله بقلبه {وجعل على بصره غشاوة} يعني ظلمة فهو لا يبصر الهدى {فمن يهديه من بعد الله} أي من بعد أن أضله الله {أفلا تذكرون} قال الواحدي ليس يبقى للقدرية مع هذه الآية عذر ولا حيلة لأن الله صرح بمنعه إياه عن الهدى حتى أخبر أنه ختم على سمعه وقلبه وبصره.


{وقالوا} يعني منكري البعث. {ما هي إلا حياتنا الدنيا} يعني ما الحياة إلا حياتنا الدنيا {نموت ونحيا} يعني يموت الآباء ويحيا الأبناء وقيل تقديره نحيا ونموت {وما يهلكنا إلا الدهر} يعني وما يفنينا إلا ممر الزمان واختلاف الليل والنهار {وما لهم بذلك من علم} يعني لم يقولوه عن علم علموه {إن هم إلا يظنون}.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار» وفي رواية «يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما» وفي رواية «يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار» ومعنى هذه الأحاديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل لأنهم كانوا ينسبون إلى الدهر ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر كما أخبر الله عز وجل عنهم بقوله: {وما يهلكنا إلا الدهر} فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد وسبوا فاعلها كان مرجع سبهم إلى الله تعالى إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر فنهوا عن سب الدهر قيل لهم لا تسبوا فاعل ذلك فإنه هو الله عز وجل والدهر متصرف فيه يقع به التأثير كما يقع بكم والله أعلم.
قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} معناه أن منكري البعث احتجوا بأن قالوا إن صح ذلك فأتوا بآبائنا الذين ماتوا ليشهدوا لنا بصحة البعث {قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولله ملك السموات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون} يعني في ذلك اليوم يظهر خسران أصحاب الأباطيل وهم الكافرون يصيرون إلى النار.


{وترى كل أمة جاثية} أي باركة على الركب وهي جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء قال سلمان الفارسي إن في القيامة ساعة هي عشر سنين يخر الناس فيها جثاة على الركب حتى إبراهيم ينادي ربه لا أسألك إلا نفسي {كل أمة تدعى إلى كتابها} أي الذي فيه أعمالها ويقال لهم {اليوم تجزون ما كنتم تعملون} أي من خير وشر {هذا كتابنا} يعني ديوان الحفظة.
فإن قلت كيف أضاف الكتاب إليهم أولاً بقوله: {تدعى إلى كتابها} وإليه ثانياً بقوله: {هذا كتابنا}.
قلت لا منافاة بينهما فإضافته إليهم لأنه كتاب أعمالهم وإضافته إليه لأنه تعالى هو آمر الحفظة بكتبه {ينطق عليكم بالحق} أي يشهد عليكم ببيان شاف كأنه ينطق وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم وكتابتها وإثباتها عليكم وقيل نستنسخ أي نأخذ نسخته وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان فيثبت الله منه ما كان له ثواب وعليه عقاب ويطرح منه اللغو نحو قولهم هلم واذهب، وقيل الاستنساخ من اللوح المحفوظ تنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم والاستنساخ لا يكون إلا من أصل فينسخ كتاب من كتاب {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته} أي جنته {ذلك هو الفوز المبين} أي الظفر الظاهر {وأما الذين كفروا} أي يقال لهم {أفلم تكن آياتي تتلى عليكم} يعني آيات القرآن {فاستكبرتم} أي عن الإيمان بها {وكنتم قوماً مجرمين} يعني كافرين منكرين قوله عز وجل: {وإذا قيل إن وعد الله حق} أي البعث كائن {والساعة لا ريب فيها} أي لا شك في أنها كائنة {قلتم ما ندري ما الساعة} أي أنكرتموها وقلتم {إن نظن إلا ظناً} أي ما نعلم ذلك إلا حدساً وتوهماً {وما نحن بمستيقنين} أي إنها كائنة.

1 | 2 | 3